الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد وابن مردويه عن عائشة قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يدعو: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قلت: يا رسول الله ما أكثر ما تدعو بهذا الدعاء! فقال: ليس من قلب إلا وهو بين أصبعين من أصابع الرحمن، إذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه، أما تسمعين قوله تعالى: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب}» ولفظ ابن أبي شيبة «إذا شاء أن يقلبه إلى هدى قلبه، وإذا شاء أن يقلبه إلى ضلال قلبه».وأخرج ابن أبي شيبة في المصنف وأحمد والبخاري في الأدب المفرد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. قالوا: يا رسول الله آمنا بك وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟ قال: نعم. قال: إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها».وأخرج البخاري في تاريخه وابن جرير والطبراني عن سبرة بن فاتك قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرب. فإذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه».وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبيدة بن الجراح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن قلب ابن آدم مثل قلب العصفور يتقلب في اليوم سبع مرات».وأخرج ابن أبي الدنيا في الإِخلاص عن أبي موسى قال: إنما سمي القلب قلبًا لتقلبه. وإنما مثل القلب مثل ريشة بفلاة من الأرض.وأخرج أحمد وابن ماجه عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن هذا القلب كريشة بفلاة من الأرض تقيمها الريح ظهرًا لبطن».وأخرج مالك والشافعي وابن أبي شيبة وأبو داود والبيهقي في سننه عن أبي عبدالله الصنابحي، أنه قدم المدينة في خلافة أبي بكر الصديق، فصلى وراء أبي بكر المغرب، فقرأ أبو بكر في الركعتين الأوليين بأم القرآن، وسورة من قصار المفصل. ثم قام في الركعة الثالثة، فقرأ بأم القرآن، وهذه الآية: {ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب}.وأخرج ابن جرير والطبراني في السنة والحاكم وصححه عن جابر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على دينك. قلنا: يا رسول الله تخاف علينا وقد آمنا بك؟ فقال: إن قلوب بني آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يقول به هكذا. ولفظ الطبراني: إن قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الله عز وجل، فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه».وأخرج أحمد والنسائي وابن ماجه وابن جرير والحاكم وصححه والبيهقي في الأسماء والصفات عن النّواس بين سمعان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الميزان بيد الرحمن. يرفع أقوامًا ويضع آخرين إلى يوم القيامة، وقلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن. إذا شاء أقامه، وإذا شاء أزاغه»، وكان يقول: «يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك».وأخرج الحاكم وصححه عن المقداد: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لقلب ابن آدم أشد انقلابًا من القدر إذ اجتمع غليانًا».وأخرج ابن جرير عن محمد بن جعفر بن الزبير في قوله: {ربنا لا تزغ قلوبنا} أي لا تمل قلوبنا وإن ملنا بأجسادنا.وأخرج ابن سعد في طبقاته عن أبي عطاف أن أبا هريرة كان يقول: أي رب لا أزنين، أي رب لا أسرقن، أي رب لا أكفرن. قيل له: أو تخاف؟ قال: آمنت بمحرف القلوب ثلاثًا.وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي الدرداء قال: كان عبدالله بن رواحة إذا لقيني قال: اجلس يا عويمر فلنؤمن ساعة، فنجلس فنذكر الله على ما يشاء. ثم قال: يا عويمر هذه مجالس الإيمان، إن مثل الإيمان ومثلك كمثل قميصك بينا أنت قد نزعته إذ لبسته، وبينا أنت قد لبسته إذ نزعته. يا عويمر للقلب أسرع تقلبًا من القِدر، إذا استجمعت غليانًا.وأخرج الحكيم الترمذي من طريق عتبة بن عبدالله بن خالد بن معدان عن أبيه عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما الإيمان بمنزلة القميص، مرة تقمصه ومرة تنزعه».وأخرج الحكيم الترمذي عن أبي أيوب الأنصاري قال: ليأتين على الرجل أحايين وما في جلده موضع ابرة من النفاق، وليأتين عليه أحايين وما في جلده موضع إبرة من إيمان.وأخرج أبو داود والنسائي والبيهقي في الأسماء والصفات عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا استيقظ من الليل قال: «لا إله إلا أنت سبحانك اللهم إني أستغفرك لذنبي وأسألك رحمتك، اللهم زدني علمًا ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، وهب لي من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب».وأخرج مسلم والنسائي وابن جرير والبيهقي عن عبدالله بن عمرو أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين أصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد يصرفه كيف يشاء. ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم يا مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك».وأخرج الطبراني في السنة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما قلب ابن آدم بين أصبعين من أصابع الرحمن عز وجل». اهـ.
.تفسير الآية رقم (9): قوله تعالى: {رَبَّنَا إنك جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ الله لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}.مناسبة الآية لما قبلها: .قال البقاعي: ولما كان من المعلوم من أول ما فرغ السمع من الكتاب في الفاتحة وأول البقرة وأثنائها أن للناس يومًا يدانون فيه وصلوا بقولهم السابق قوله: {ربنا أنك جامع} قال الحرالي: من الجمع، وهو ضم ما شأنه الافتراق والتنافر لطفًا أو قهرًا انتهى.{الناس} أي كلهم {ليوم} أي يدانون فيه {لا ريب فيه} ثم عللوا نفي الريب بقولهم عادلين عن الخطاب آتين بالاسم الأعظم لأن المقام للجلال: {إن الله} أي المحيط بصفات الكمال {لا يخلف} ولما كان نفي الخلف في زمن الوعد ومكانه أبلغ من نفي خلافه نفسه عبر بالمفعال فقال: {الميعاد} وقال الحرالي: هو مفعال من الوعد، وصيغ لمعنى تكرره ودوامه، والوعد العهد في الخير انتهى.وكل ذلك تنبيهًا على أنه يجب التثبت في فهم الكتاب والإحجام عن مشكله خوفًا من الفضيحة يوم الجمع يوم يساقون إليه ويقفون بين يديه، فكأنه تعالى يقول للنصارى: هب أنه أشكل عليكم بعض أفعالي وأقوالي في الإنجيل فهلا فعلتم فعل الراسخين فنزهتموني عما لا يليق بجلالي من التناقض وغيره، ووكلتم أمر ذلك إليّ، وعولتم في فتح مغلقه عليّ خوفًا من يوم الدين؟ قال ابن الزبير: ثم لما بلغ الكلام إلى هنا أي إلى آيه التصوير كان كأنه قد قيل: فكيف طرأ عليهم ما طرأ مع وجود الكتب؟ أخبر تعالى بشأن الكتاب وأنه محكم ومتشابه، وكذا عيره من الكتب والله سبحانه وتعالى أعلم، فحال أهل التوفيق تحكيم المحكم، وحال أهل الزيغ اتباع المتشابه والتعلق به، وهذا بيان لقوله: {يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا} [البقرة: 26] وكل هذا بيان لكون الكتاب العزيز أعظم فرقان وأوضح بيان إذ قد أوضح أحوال المختلفين ومن أين أتى عليهم مع وجود الكتب، وفي أثناء ذلك تنبيه العباد على عجزهم وعدم استبدادهم لئلا يغتر الغافل فيقول مع هذا البيان ووضوح الأمر: لا طريق إلى تنكب الصراط، فنبهوا حين علموا الدعاء من قوله: {وإياك نستعين} [الفاتحة: 4] ثم كرر تنبيههم لشدة الحاجة ليذكر هذا أبدًا، ففيه معظم البيان، ومن اعتقاد الاستبداد ينشأ الشرك الأكبر إذ اعتقاد الاستبداد بالأفعال إخراج لنصف الموجودات عن يد بارئها {والله خلقكم وما تعملون} [الصافات: 96] فمن التنبيه {إن الذين كفروا} [البقرة: 6] ومنه: {يضل به كثيرًا ويهدي به كثيرًا} [البقرة: 26] ومنه {آمن الرسول} [البقرة: 285] إلى خاتمتها، هذا من جلي التنبيه ومحكمه، ومما يرجع إليه ويجوز معناه بعد اعتباره: {وإلهكم إله واحد} [البقرة: 163] وقوله: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255]، فمن رأى الفعل أو بعضه لغيره تعالى حقيقة فقد قال بإلهية غيره، ثم حذروا أشد التحذير لما بين لهم فقال تعالى: {إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد} [آل عمران: 4] ثم ارتبطت الآيات إلى آخرها انتهى. اهـ..قال الفخر: اعلم أن هذا الدعاء من بقية كلام الراسخين في العلم، وذلك لأنهم لما طلبوا من الله تعالى أن يصونهم عن الزيغ، وأن يخصهم بالهداية والرحمة، فكأنهم قالوا: ليس الغرض من هذا السؤال ما يتعلق بمصالح الدنيا فإنها منقضية منقرضة، وإنما الغرض الأعظم منه ما يتعلق بالآخرة فإنا نعلم أنك يا إلهنا جامع الناس للجزاء في يوم القيامة، ونعلم أن وعدك لا يكون خلفًا وكلامك لا يكون كذبًا، فمن زاغ قلبه بقي هناك في العذاب أبد الآباد، ومن أعطيته التوفيق والهداية والرحمة وجعلته من المؤمنين، بقي هناك في السعادة والكرامة أبد الآباد، فالغرض الأعظم من ذلك الدعاء ما يتعلق بالآخرة. اهـ.قال الفخر:قوله: {رَبَّنَا أنك جَامِعُ الناس لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} تقديره: جامع الناس للجزاء في يوم لا ريب فيه، فحذف لكون المراد ظاهرًا. اهـ..من أقوال المفسرين: .قال ابن عاشور: قوله: {ربنا أنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه} استحضروا عند طلب الرحمة أحْوجَ ما يكونون إليها، وهو يومُ تكونُ الرحمة سببًا للفوز الأبدي، فأعقبوا بذكر هذا اليوم دعاءَهم على سبيل الإيجاز، كأنّهم قالوا: وهب لنا من لدنك رحمة، وخاصّة يوم تجمّع الناس كقول إبراهيم: {ربنا اغفر لي ولوالديّ وللمؤمنين يوم يقوم الحساب} [إبراهيم: 41] على ما في تذكّر يوم الجمع من المناسبة بعد ذكر أحوال الغواة والمهتدين، والعلماءِ الراسخين.ومعنى {لا ريب فيه} لا ريب فيه جديرًا بالوقوع، فالمراد نفي الريب في وقوعه.ونفوه على طريقه نفي الجنس لعدم الاعتداد بارتياب المرتابين، هذا إذا جعلتَ {فيه} خبرًا، ولك أن تجعله صفةً لريبَ وتجعلَ الخبر محذوفًا على طريقة لا النافية للجنس، فيكون التقدير: عندنا، أو لَنَا. اهـ..قال الألوسي: {رَبَّنَا أنك جَامِعُ الناس} المكلفين وغيرهم {لِيَوْمِ} أي لحساب يوم، أو لجزاء يوم فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه تهويلًا لما يقع فيه، وقيل: اللام بمعنى إلى أي جامعهم في القبول إلى يوم {لاَ رَيْبَ فِيهِ} أي لا ينبغي أن يرتاب في وقوعه ووقوع ما فيه من الحشر والحساب والجزاء، وقيل: الضمير المجرور للحكم أي لا ريب في هذا الحكم، فالجملة على الأول صفة ليوم، وعلى الثاني لتأكيد الحكم ومقصودهم من هذا كما قال غير واحد عرض كمال افتقارهم إلى الرحمة وأنها المقصد الأسني عندهم، والتأكيد لإظهار ما هم عليه من كمال الطمأنينة وقوة اليقين بأحوال الآخرة لمزيد الرغبة في استنزال طائر الإجابة. اهـ..قال أبو حيان: ومعنى: ليوم لا ريب فيه، أي: لجزاء يوم، ومعنى: لا ريب فيه، لا شك في وجوده لصدق من أخبر به، وإن كان يقع للمكذب به ريب فهو بحال ما لا ينبغي أن يرتاب فيه.وقيل: اللام، بمعنى: في، أي: في يوم، ويكون المجموع لأجله لم يذكر، وظاهر هذا الجمع أنه الحشر من القبور للمجازاة، فهو اسم فاعل بمعنى الاستقبال، ويدل على أنه مستقبل قراءة أبي حاتم: جامع الناس، بالتنوين، ونصب: الناس.وقيل: معنى الجمع هنا أنه يجمعهم في القبور، وكأن اللام تكون بمعنى إلى للغاية، أي: جامعهم في القبور إلى يوم القيامة، ويكون اسم الفاعل هنا لم يلحظ فيه الزمان، إذ من الناس من مات، ومنهم من لم يمت، فنسب الجمع إلى الله من غير اعتبار الزمان، والضمير في: فيه، عائد على اليوم، إذ الجملة صفة له، ومن أعاده على الجمع المفهوم من جامع، أو على الجزاء الدال عليه المعنى، فقد أبعد. اهـ..قال الفخر: قال الجبائى: إن كلام المؤمنين تم عند قوله: {لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} فأما قوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} فهو كلام الله عزّ وجلّ، كأن القوم لما قالوا: {إِنَّكَ جَامِعُ الناس لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ} صدقهم الله تعالى في ذلك وأيد كلامهم بقوله: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} كما قال حكاية عن المؤمنين في آخر هذه السورة {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ القيامة أنك لاَ تُخْلِفُ الميعاد} [آل عمران: 194] ومن الناس من قال: لا يبعد ورود هذا على طريقة العدول في الكلام من الغيبة إلى الحضور، ومثله في كتاب الله تعالى كثير، قال تعالى: {حتى إِذَا كُنتُمْ في الفلك وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيّبَةٍ} [يونس: 22].فإن قيل: فلم قالوا في هذه الآية: {إِنَّ الله لاَ يُخْلِفُ الميعاد} وقالوا في تلك الآية: {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد}.قلت: الفرق- والله أعلم- أن هذه الآية في مقام الهيبة، يعني أن الإلهية تقتضي الحشر والنشر لينتصف المظلومين من الظالمين، فكان ذكره باسمه الأعظم أولى في هذا المقام، أما قوله في آخر السورة {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد} [آل عمران: 194] فذاك المقام مقام طلب العبد من ربه أن ينعم عليه بفضله، وأن يتجاوز عن سيئاته فلم يكن المقام مقام الهيبة، فلا جرم قال: {إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الميعاد}. اهـ.قال الفخر:احتج الجبائي بهذه الآية على القطع بوعيد الفساق، قال: وذلك لأن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، بدليل قوله تعالى: {أَن قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقّا فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا} [الأعراف: 44] والوعد والموعد والميعاد واحد، وقد أخبر في هذه الآية أنه لا يخلف الميعاد فكان هذا دليلًا على أنه لا يخلف في الوعيد.والجواب: لا نسلم أنه تعالى يوعد الفساق مطلقًا، بل ذلك الوعيد عندنا مشروط بشرط عدم العفو، كما أنه بالاتفاق مشروط بشرط عدم التوبة، فكما أنكم أثبتم ذلك الشرط بدليل منفصل، فكذا نحن أثبتنا شرط عدم العفو بدليل منفصل، سلمنا أنه يوعدهم، ولكن لا نسلم أن الوعيد داخل تحت لفظ الوعد، أما قوله تعالى: {فَهَلْ وَجَدتُّم مَّا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقّا}.قلنا: لم لا يجوز أن يكون ذلك كما في قوله: {فَبَشّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] وقوله: {ذُقْ أنك أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] وأيضا لم لا يجوز أن يكون المراد منه أنهم كانوا يتوقعون من أوثانهم أنها تشفع لهم عند الله، فكان المراد من الوعد تلك المنافع، وتمام الكلام في مسألة الوعيد قد مرّ في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى: {بَل مَن كَسَبَ سَيّئَةً وأحاطت بِهِ خَطِيئَتُهُ فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} [البقرة: 81] وذكر الواحدي في البسيط طريقة أخرى، فقال: لم لا يجوز أن يحمل هذا على ميعاد الأولياء، دون وعيد الأعداء، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب، قال: والدليل عليه أنهم يمدحون بذلك، قال الشاعر:وروى المناظرة التي دارت بين أبي عمرو بن العلاء، وبين عمرو بن عبيد، قال أبو عمرو بن العلاء لعمرو بن عبيد: ما تقول في أصحاب الكبائر؟ قال: أقول إن الله وعد وعدًا، وأوعد إيعادًا، فهو منجز إيعاده، كما هو منجز وعده، فقال أبو عمرو بن العلاء: أنك رجل أعجم، لا أقول أعجم اللسان ولكن أعجم القلب، إن العرب تعد الرجوع عن الوعد لؤما وعن الإيعاد كرما وأنشد:
|